فصل: باب النفقات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الفسخ:

أي: فسخ النكاح الفاسد هل يعد طلاقاً أم لا؟ وهل يرث أحد الزوجين الآخر إذا مات قبل الفسخ أم لا؟ وهل تلزم فيه العدة أم لا؟ والأنسب إدراج هذا الفصل في فصل حكم فاسد النكاح كما تقدم ذلك هناك.
وَفَسْخُ فاسِدٍ بِلا وِفَاقِ ** بِطَلْقَةٍ تُعَدُّ في الطَّلاَقِ

(وفسخ فاسد) مبتدأ ومضاف إليه (بلا وفاق) في موضع الصفة لفاسد (بطلقة) خبر (تعد في الطلاق) صفة لطلقة.
وَمَنْ يَمُتْ قَبْلَ وُقُوعِ الفَسْخِ ** في ذا فما لإرْثِهِ مِنْ نَسْخِ

(ومن) اسم شرط مبتدأ (يمت) فعله (قبل) يتعلق بفعل الشرط (وقوع الفسخ) مضاف إليهما (في ذا) يتعلق بوقوع والإشارة للفاسد بلا وفاق (فما) نافية (لإرثه) خبر مقدم. (من نسخ) اسم جر بمن الزائدة، والجملة جواب الشرط، ولذا دخلت الفاء عليها والشرط وجوابه خبر المبتدأ والمعنى: أن النكاح المختلف فيه اختلافاً قوياً ولو خارج المذهب كإنكاح المحرم والعبد والمرأة ووجه الشغار ونكاح المريض والخيار، فإنه يفسخ بطلاق مراعاة لمن يقول بصحته والخلع إن وقع فيه قبل الفسخ نافذ ومن مات من الزوجين قبل وقوع هذا الفسخ فإن الحي يرثه إلا نكاح المريض والخيار فإنه لا إرث فيهما ولو مات الصحيح منهما في مسألة المريض فلو زاد الناظم إثر البيت الثاني ما نصه:
إلا نكاحاً ذا خيار أو مرض ** هب أنه موت الصحيح قد عرض

تنبيه:
تقدم أن وجه الشغار من المختلف فيه وإن كان يثبت بعده بصداق المثل، فهو من الفاسد لصداقه، ومنه أيضاً من طلق زوجته طلاقاً بائناً بعد أن دفع لها المعجل والمؤجل، ثم قال لها: لا أراجعك حتى تردي عليَّ ما أخذت مني وتردي الصداق المؤجل على ما كان عليه، فإنه فاسد لأنه نكاح وسلف، وكذا لو زادها ربع دينار على ذلك، وكذا لو كان على أن ترد له جميع ما أعطاها ويعطيها هو مثل ذلك وزيادة ربع دينار لأنه بيع ذهب بذهب وعصمة كما في البرزلي وغيره.
وَفسْخُ ما الفَسادُ فيه مُجْمَعُ ** عليه مِنْ غير طَلاَقٍ يَقَعُ

(وفسخ) مبتدأ (ما) مضاف إليه واقعة على النكاح (الفساد) مبتدأ (فيه) يتعلق به (مجمع) خبر عن الفساد (عليه) نائب الفاعل بمجمع لأنه اسم مفعول، والجملة صلة (ما) والرابط الضمير المجرور بفي (من غير طلاق) يتعلق بقوله (يقع) والجملة من يقع وفاعله ومتعلقه خبر فسخ، والتقدير وفسخ النكاح الذي فساده أجمع عليه يقع من غير طلاق لأن هذا النكاح كالعدم، ولذا لو عقد شخص عليها قبل الفسخ صح نكاحه وإن وقع الخلع فيه لم ينفذ، وذلك كنكاح الخامسة ومحرمة بصهر أو رضاع ونكاح المتعة وهو النكاح لأجل ونكاح المعتدة والنكاح على حرية ولد الأمة ونحو ذلك. ومن خالف في بعض هذه الأفراد من العلماء كالظاهرية في الخامسة، ونكاح المتعة عند بعضهم لا يعتد بخلافه لضعف مدركه فلا يقدح في كونه مجمعاً عليه، وإذا مات أحد الزوجين في هذا القسم فلا إرث فيه للحي، وإلى هذا القسم والذي قبله أشار (خ) بقوله: وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغار والتحريم بعقده ووطئه وفيه الإرث إلا نكاح المريض لا إن اتفق على فساده فلا طلاق ولا إرث كخامسة وحرم وطؤه فقط إلخ.
وتَلْزَمُ العِدَّةُ باتِّفَاقِ ** لِمُبْتَنَى بِهَا عَلَى الإِطْلاَقِ

(وتلزم العدة) فاعل تلزم (باتفاق) يتعلق بتلزم وكذا (لمبتنى) و(بها) يتعلق بمبتنى (على الإطلاق) يتعلق بتلزم أو بمحذوف حال، والمعنى أن النكاح الفاسد إذا وقع فيه دخول أو خلوة يمكن فيها الوطء ثم فسخ، فإن العدة تلزم فيه مطلقاً كان مختلفاً فيه أو مجمعاً عليه. قال في المقرب: ولو تصادقا على نفي الوطء لحق الله ولا صداق لها لأنها لم تدعه. اهـ. ووجه لزوم العدة في المختلف فيه ظاهر لأنه جار مجرى الصحيح في العدة وغيرها كما مرّ، وأما المجمع عليه فاللازم فيه الاستبراء بثلاث حيض، فإطلاق الناظم عليه عدة إنما هو من باب التغليب، وما وقع في المقرب والمدونة من إطلاق العدة عليه أيضاً فإنما ذلك على وجه المجاز سهله أن استبراء الحرة كعدتها ومفهوم لمبتنى بها فيه تفصيل لأنه إذا مات عنها قبل البناء فلا عدة ولا استبراء في المجمع عليه وعليها عدة الوفاة في المختلف فيه، فإن مات عنها بعد البناء أو الخلوة وقبل الفسخ ففي المجمع عليه الاستبراء بثلاث حيض ولا عدة وفاة عليها ولا إحداد، وفي المختلف فيه عدة وفاة.

.باب النفقات:

وما يتعلق بها من كسوة وإسكان ووجوب وإسقاط واختلاف ورجوع بها إذا أنفش حملها أو طلقها إثر دفعها لها.
وعرفها ابن عرفة بقوله: النفقة ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف. اهـ. فخرج بما به قوام معتاد غير الآدمي، وما ليس معتاداً في حال الآدمي وما هو سرف فلا يسمى شيء من ذلك نفقة شرعاً، وهذا الحد شامل للكسوة والطعام والسكنى، ولا إشكال. فمهما وجبت النفقة بالإصالة كنفقة الزوجة والرقيق والأولاد والآباء وعامل القراض إذا كثر المال وبعد السفر وجبت الكسوة، وكذا إن تطوع بها على الربيب مثلاً حيث قال: لا نية لي أو تعذر سؤاله لغيبة ونحوها، فإن قال: نويت الطعام فقط قبل قوله عند ابن سهل ولم يقبل عند ابن زرب وهو المعتمد قاله (ز). وانظر أوائل الالتزامات فإنه يظهر منها ترجيح ما لابن سهل، وقدمنا حاصل كلامه عند قول الناظم: وما امرؤ لزوجة يلتزم إلخ. وفي البرزلي: أن ابن رشد سئل عن المسألة فأجاب بأن الكسوة غير داخلة بعد حلفه في مقطع الحق أنه إنما أراد الطعام دون الكسوة لأن النفقة وإن كانت من ألفاظ العموم فإنها تعرفت عند أكثر الناس في الطعام دون الكسوة. البرزلي: فيكون من باب تخصيص العموم بالعرف، وفيه خلاف بين الأصوليين. اهـ.
قلت: والذي جرت عليه الأحكام أنه يخصص العام ويعين المبهم ويقيد المطلق كما في المعيار واللامية وغيرهما، فيكون ما لابن سهل وابن رشد أرجح، ولذا قال ابن ناجي في شرح المدونة من كتاب الشركة: القول بعدم لزوم الكسوة هو الذي عليه الأكثر وبه الفتوى ونظمه في العمل المطلق فقال:
إن امرؤ نفقة الغير التزم ** فاللبس غير داخل في الملتزم

وَيجِبُ الإنْفَاقُ لِلزَّوْجَاتِ ** في كُلِّ حَالَةٍ مِنَ الحَالاَتِ

(ويجب الإنفاق للزوجات في كل حالة) يتعلق بيجب (من الحالات) صفة لقوله حالة، والمعنى أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها بقدر وسعه وحالها غنية كانت أو فقيرة حرة أو أمة بوئت أم لا؟ ومحل وجوبها إذا دخل أو دعي إلى الدخول وليس أحدهما مشرفاً، وكان الزوج بالغاً وهي مطيقة كما أفاد ذلك كله (خ) بقوله: يجب لممكنة مطيقة للوطء على البالغ وليس أحدهما مشرفاً قوت وأدام وكسوة بقدر وسعه وحالها إلخ. فهذه الشروط عامة في المدخول بها وغيرها كما قرر به شراح (ح) وهو الذي للقاني في حواشي ضيح، وهو الذي ينبغي اعتماده لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع كما في ابن سلمون وغيره، وإن كان (ح) استظهر ما في ضيح وابن عبد السلام من اختصاصها بغير المدخول بها، وأما إن دخل فتجب من غير شرط، ثم إن الناظم لو زاد بيتاً فقال مثلاً:
إن مكثت والزوج بالغ وهي ** مطيقة وليس مشرفاً كهي

لوفى بالمراد وقوله: كهي آخر البيت تشبيه بما قبله أي يشترط فيها عدم الإشراف كما اشترط ذلك فيه.
فرع:
على المرأة الخدمة الباطنة كعجن وكنس وفرش واستقاء الماء والحطب إن كانت عادة البلد كما في البرزلي عن الشبيبي قائلاً: لأن نساء البوادي دخلن على ذلك. اهـ.
والفَقْرُ شَرْطُ الأبَوَيْنِ والولَدْ ** عَدَمُ مالٍ واتِّصالٌ للأمَدْ

(والفقر شرط الأبوين) مبتدأ وخبر يعني أن الشرط وجوب نفقة الأبوين على أولادهما الفقر، فلا يحكم بها إلا بعد إقرار الأولاد المالكين أمرهم به أو بعد ثبوته ببينة (خ) وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين المعسرين وأثبتا العدم لا بيمين إلخ. أي لأنها عقوق. وإذا حكم بها عليهم فإنها توزع عليهم ذكوراً كانوا أو إناثاً صغاراً أو كباراً على قدر يسارهم على الراجح لا على الرؤوس ولا على قدر الإرث ولا مقال لأزواج البنات المتزوجات وإذا حكم لهما بها على الأولاد بالشرط المذكور فأنفق عليهما أجنبي أو أحد الأولاد بعد الحكم، فللمنفق المذكور الرجوع على من حكم عليه بها لأنه قام عنه بواجب حيث لم يكن متبرعاً بخلاف ما إذا أنفق عليهما قبل الحكم بها فلا رجوع كما لابن رشد وغيره. وأشار له (خ) بقوله وتسقط عن الموسر بمضي الزمان إلا لقضية أو بنفق غير متبرع الخ، إلا أن (أو) في كلامه بمعنى (الواو).

تنبيه:
إذا لم يكن للأبوين إلا دار السكنى وطلبا الولد بالنفقة فإنه يقضى لهما بها قاله في الكراس السابع من أنكحة المعيار، وهذا إن لم يكن في الدار فضل عما يليق بسكناهما وإلا لم يقض بالنفقة عليهما إلا بعد نفوذ ذلك الفضل، انظر البرزلي في النفقة فيما إذا كان للصغير دار وهو في كفالة أبيه.
(والولد) مبتدأ (عدم مال) خبره أي وشرط وجوب نفقة الولد الحر على أبيه الحر عدم المال أصلاً وعدم وجود صنعة تكفيه، فإن كانت لا تكفيه أعطي تمام الكفاية. اللخمي: وإذا كسدت الصنعة عادت على الأب ثم إن الأب إذا واجر ولده فإنه ينفق عليه من أجرته وما فضل منها دفعه له الأب مخافة أن يعوقه على الخدمة عائق من مرض أو كساد، ولا يأكل الأب منه شيئاً وإن كان فقيراً قاله ابن فرحون في الألغاز عن الجزيري، ثم إن علم أن الولد والزوجة يفرض لهما في مال الغائب المليء وإن لم يكن له مال حاضر ويحسبان ذلك عليه من يوم الفرض وإذا تداينا عليه لزمه أداؤه إن قدم ويرجع عليه المنفق عليهما حيث لم يتبرع أنفق قبل الفرض أو بعده بخلاف الأبوين كما مرّ فإن علم عسره أو جهل حاله لم يفرض لهما إلا أن للزوجة أن تطلق نفسها بعدم النفقة إذا لم تصبر في الصورتين، فإن صبرت وقدم موسراً في الصورة الثانية فرض لها عليه نفقة مثلها من مثله، وأما الأبوان فلا يفرض لهما في مال الغائب، وإن علم يسره إذا لم يكن له مال حاضر، ولا يتداينان عليه وإن فعلا لم يلزمه من ذلك شيء فإن كان له مال حاضر غير أصل فيفرض لهما فيه، ويباع لهما في النفقة. وأما أصوله فلا تباع على الراجح من أحد قولين: إلا أن يغيب بعد الفرض عليه فتباع حينئذ كما في (ح) عن ابن رشد بخلاف الزوجة والأولاد فإنها تباع أصول الغائب وغيرها في النفقة عليهما كما في ابن سلمون وغيره، وهذا ما لم تكن الأصول دار السكنى وإلا بيعت للزوجة دون الأولاد لأن نفقتها أقوى إذ هي عليه غنية كانت أو فقيرة في مقابلة الاستمتاع، وإذا لم تبع للأولاد فنفقتهم على المسلمين أو بيت المال، وانظر لو أنفق أجنبي مع علمه بالدار فى ظهر من هذا أنه لا رجوع له على الأب لأنه فقير حكماً لم يقم عليه الأجنبي بشيء يجب عليه وسيأتي عند قوله: وحكم ما على بنيه أنفقت إلخ. أنهما يفترقان في شيء آخر، هذا تحصيل هذه المسائل فتنبه لاختلافها.
فرع:
إذا قضى القاضي على الابن بنفقة الأبوين، ثم باع الولد بعد ذلك ربعه أو تصدق به ففي مسائل ابن الحاج: إن فعله يرد. البرزلي: أما رد الصدقة فبين وأما رد بيعه ففيه نظر إلا أن يكون قد قصد به إسقاط النفقة فيعامل بنقيض قصده قال: وكثيراً ما يقع في زماننا عكسها، وهي أن الأب يفوت ربعه بالبيع أو الهبة لبعض الأولاد أو لأجانب فعلوا معه خيراً أو يريد إغاظة ولده بذلك، فالصواب أن لا يمضي إذا قصد ذلك، وإن لم يقصد ذلك ففيه نظر، هل يجب على ابنه نفقته أو لا؟ كما تقدم في عكسها.
(واتصال) فاعل بفعل محذوف أي ويجب اتصال نفقة الأب على أولاده الذين لا مال لهم (للأمد) الذي ويسقطها ثم بينه بقوله.
ففي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ ** وفي الإنَاثِ بالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ

(ففي الذكور للبلوغ) يتعلقان بقوله (يتصل): (خ) ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلاً قادراً على الكسب أي إلا لمعرة عليه أو على وليه أو عليهما بالتكسب فلا تسقط كما لا تسقط إذا بلغ مجنوناً أو عاجزاً عن الكسب (وفي الإناث بالدخول) يتعلقان بقوله: (ينفصل) الإنفاق أي: ينقطع ومثل الدخول الدعاء له كما مرّ، ولو دخلت أو دعيت له قبل البلوغ فإن تأيمت قبله أيضاً رجعت نفقتها عليه كما لو طرأ لها مال قبل البلوغ، ثم ذهب قبله أيضاً أو بلغت زمنة وطرأ لها المال ثم ذهب، فإنها تعود. ومفهوم بالدخول أنها إذا لم تدخل لم تسقط ولو رشدها وهو كذلك، ومفهوم قوله: تأيمت قبله الخ أنها لو تأيمت بعده أو ذهب المال بعده أو بعد زوال الزمانة لم تعد (خ): لا أن عادت بالغة أو تزوجت زمنة ثم صحت وتأيمت بالغة وعادت الزمانة فلا تعود، وقولي: الولد الحر إلخ. احترازاً من الولد العبد والأب العبد، فإن نفقة الأولاد العبيد على سيدهم ونفقة الأحرار أولاد العبيد في بيت المال، وتقدم في قول الناظم:
وليس لازماً له أن ينفقا ** على بنيه أعبداً أو عتقا

تنبيه:
قال اللخمي في كتاب المديان: إن المفلس الصانع يداين ليعمل ويقضي من عمله ثم عطل أجبر على العمل فإن ولد استؤجر في صناعته تلك. قال ابن عرفة: فيلزم مثله في الزوج في النفقة إذا ترك صنعته، وأما نفقة الأولاد فلا خلاف أنه لا يجبر على الصنعة. اهـ. ونقله البرزلي في النكاح.
والحُكْمُ فِي الْكِسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَهْ ** ومُؤَنُ العَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَه

(والحكم في) وجوب (الكسوة) وسقوطها (حكم النفقة) فمهما وجبت النفقة على أحد ممن تقدم وجبت الكسوة، ومهما سقطت النفقة سقطت الكسوة إلا في مسألة الالتزام المتقدمة.
فرع:
قال ابن عرفة في الشهادات عند النكاح على ترجيح البينات ما نصه: وإن طلبته بالكسوة فقال لها: الثوب الذي عليك لي، وقالت: بل هو لي ففي كون القول قولها أو قوله نقل في الطرر عن الاستغناء فتوى ابن دحون وابن الفخار حكاهما أبو القاسم اليونباني، واختار الأول وهما مبنيان على اعتبار كونها في حوز الزوج أو حوزها في نفسها. اهـ. وراجع ما مر في الاختلاف في متاع البيت وفي التداعي في الطلاق. (ومؤن العبد) مبتدأ ومضاف إليه واسم (تكون) عائد على المؤن وخبرها محذوف أي على السيد (مطلقة) حال من اسم تكون، والمعنى أن مؤن العبد وكذا الأمة من نفقة وكسوة تكون على سيدهما مطلقة غير مقيدة بفقر العبد والأمة ولا بغنى السيد، ويلزمه تكفينهما إن ماتا فإن امتنع من الإنفاق عليهما بيعا عليه كتكليفهما من العمل ما لا يطيقان (خ): إنما تجب نفقة رقيقه ودابته إن لم يكن مرعى وإلاَّ بيع كتكليفه من العمل ما لا يطيق إلخ. وأما زوجة العبد فنفقتها عليه كما مرّ لا على سيده وينفق عليها من غير خراجه وكسبه، والمراد بالخراج ما نشأ لا عن مال بل عن كإيجار نفسه، والمراد بالكسب ما نشأ عن مال اتجر به فهما لسيده ونفقته عليهما من غيرهما من هبة أو وصية ونحوهما إلا لعرف فإنها في الخراج والكسب، فتكون فيهما فإن عجز طلقت عليه انظر تحقيقه في فصل المراجعة.
وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغيرٍ مُطْلَقا ** لَهُ الرُّجُوعُ بالَّذِي قَدْ أنْفَقَا

(ومنفق) مبتدأ (على صغير) يتعلق به (مطلقا) حال من صغير أي كان له أب أم لا (له الرجوع) مبتدأ وخبره، والجملة خبر المبتدأ والرابط الضمير المجرور باللام (بالذي) يتعلق بالرجوع (قد أنفقا) صلة الذي، والرابط محذوف وألفه للإطلاق.
عَلَى أبٍ أَوْ مَالِ الابْنِ وأُبي ** إلاَّ بعلْمِ المَالِ أَوْ يُسْرِ الأَبِ

(على أب) يتعلق بالرجوع (أو مال الابن) معطوف على أب (وأبي) بضم الهمزة مبنياً للمفعول ونائب فاعله ضمير الرجوع (إلا) حرف استثناء (بعلم المال) يتعلق بالرجوع المقدر قبل إلا أي منع رجوع المنفق في كل حال إلا في حال علم المال (أو يسر الأب) والجملة من أبي ونائبه ومتعلقه استئنافية والمعنى أن من أنفق على صغير كان له أب أم لا. فإنه يرجع بما أنفق في مال الأب أو الصبي إن كان لهما مال وعلمه المنفق، ويقدم مال الصبي على مال الأب حيث كان لكل منهما مال علمه المنفق، فذكر الناظم للرجوع شرطين: أحدهما وجود المال للابن أو للأب، والثاني علم المنفق به وهما مفهومان من قوله: إلا بعلم المال أو يسر الأب. إذ العلم بالمال فرع وجوده وظاهره أنه لابد من علم يسر الأب، فالعلم بالأب دون العلم بيسره لا يكفي وهو كذلك كما لابن رشد خلافاً ل (ز) فإن لم يكن لهما مال أصلاً وقت الإنفاق أو كان وتلف فلا تتبع ذمتهما فيما استفاداه بعد ولو شرط المنفق عند الإنفاق أن يرجع في المستفاد لم يعمل بشرطه خلافاً لأشهب كما في (ح) وكذا إن كان لهما مال ولم يعلم به المنفق فلا رجوع أيضاً.
وبقي للرجوع شرط ثالث وهو أن ينوي المنفق الرجوع بنفقته وهو شرط لابد منه على المعتمد كان المنفق وصياً أو أجنبياً كما اقتصر عليه (خ) في باب النفقة حيث قال: وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف أنه أنفق ليرجع الخ، وقيل لا يشترط هذا الشرط بل كذلك يرجع إذا لم ينو رجوعاً ولا عدمه وعليه عول (خ) في اللقطة حيث قال: والقول له إنه لم ينفق حسبة. اهـ. ونقله (ق) أيضاً عن المدونة في باب النفقة. ولعل الناظم عول على هذا القول، فلذا لم يشترط نية الرجوع وشرط رابع وهو أن تكون النفقة غير سرف بالنسبة للصغير، وإلا لم يرجع بالسرف، ولعل الناظم اتكل في ترك هذا الشرط على القواعد لأن كل من تصرف لغيره فإنما يلزم من تصرفه ما فيه مصلحة ولا مصلحة في السرف حتى يرجع به، وشرط خامس بالنسبة للوصي والأب ومن هو بمنزلتهما وهو أن يكون مال الصبي غير عين، فإذا أنفق الوصي أو الأب ونحوه، وتحت يديهما للمحجور عين فليس لهما رجوع عليه ويحملان على التطوع، لأن اليتيم غير محتاج لسلفهما، وأما غير الوصي والأب ومن تنزل منزلتهما من كافل أو حاضن فيرجع، وإن كان مال اليتيم عيناً لأنه ليس بيده وأما الشرط السادس وهو حلفه أنه أنفق ليرجع فسيأتي في قوله: ومع يمين يستحق ماله. وهذا في غير الوصي، وأما هو فلا يمين عليه كما يأتي للناظم. ومفهوم على صغير أن من أنفق على بالغ له الرجوع، وإن كان فقيراً وقت الإنفاق وهو كذلك كما في المعيار وغيره، ثم إذا توفرت الشروط وجب الرجوع سواء كان الصغير ربيباً للمنفق أم لا. وهنا مسألتان. إحداهما: قال في الطرر: لو تزوجت امرأة وتطوع زوجها بنفقة ابنها ثم تريد هي الرجوع بها على ابنها في حياته أو بعد وفاته، وكان له مال وقت الإنفاق فإنه لا رجوع لها عليه لأنه معروف من الزوج وصلة للربيب والأم لم تترك من حقها شيئاً، وذكر بعض أصحابنا أنها وقعت في مجلس الشيوخ فأجمعوا على هذا، وفي مجلس آخر قالوا: سواء كان تطوعاً أو شرطاً في أصل عقد النكاح إذا كان لأجل معلوم. هكذا نقله البرزلي ونحوه في ابن سلمون وابن عرفة. وزاد: فإن مات المتطوع سقط الرجوع، وإن كان لمدة وبقي من المدة شيء لأنها هبة لم تقبض. اهـ. ونقله (ح) في أول التزاماته وقال عقبه: وأما إذا كان تطوعاً فظاهر لأن الهبة تبطل بموت الواهب قبل قبضها، وأما إذا كان شرطاً في العقد وأجزناه إذا كان لمدة معلومة كما رجحه ابن رشد، فينبغي أن لا تسقط وأن تحل بموت الزوج أي: ويوقف من تركته مقدار ما يفي بنفقته في بقية المدة كما تقدم.
قلت: وينبغي أيضاً أن ترجع الزوجة على ابنها في مسألة الشرط لأنها تركت من صداقها للشرط المذكور فهي قد تركت من حقها لأجله فتأمله والله أعلم. ولذا حذف الشيخ (م) والشارح مسألة الشرط فلم ينقلوها قال (م): وقد كنت لفقت بيتاً فقلت:
ومن بإنفاق الربيب طاع لا ** رجوع للأم على ابن فاقبلا

ثانيتهما: قال البرزلي إثر نقله مسألة الطرر المتقدمة ما نصه: وقعت مسألة وهي امرأة لها ولد تأخذ عليه النفقة من أبيه فتزوجت رجلاً واشترطت عليه نفقة الولد أجلاً معلوماً أو تطوع بها بعد العقد مدة الزوجية، وأرادت الرجوع بذلك على أبي الولد، فوقعت الفتيا بأن ذلك إن كان مكتوباً من حقوقها فيجب لها الرجوع متى شاءت وإسقاطه لزوجها فهي ترجع بنفقته على أبيه، وإن كان ذلك للولد فلا رجوع لها على أبيه بشيء وهو جار على الأصول، وكأنه شيء وهب له فينفقه على نفسه لا على ابنه، والأول مال وهب لأمه، فإذا أنفقته على ولدها رجعت به على أبيه. اهـ. وتقدم هذا في أول الخلع.
تنبيه:
قد تقدم أن من تطوع بنفقة ربيبه مدة الزوجية فإنما يلزمه الإنفاق عليه ما دام صغيراً لا يقدر على الكسب أي: وما لم يطرأ له مال لم يكن له وقت التطوع وإلاَّ لم يلزمه كما في خلع المعيار.
تنبيه آخر:
لهذه المسألة في الرجوع نظائر من ذلك من أدى عن رجل ديناً عليه بغير أمره، فله أن يرجع عليه كما مر في قول الناظم: إذ قد يؤدي دين من لا أذنا. وكذلك من فدى حراً من أيدي العدو، كما نص عليه (خ) في الحرابة وكذلك من كفن ميتاً فله أن يرجع في تركته، وليس لورثته منعه، وكذلك من فدى متاعاً من أيدي اللصوص فله حبسه حتى يأخذ ما فداه به كما قاله أبو الحسن، ونص عليه (خ) في الجهاد. قال أبو الحسن: وانظر من أدى عن إنسان ما لم يلزمه لظالم حبسه فيه، فالمشهور أنه لا يلزمه. وقال ابن كنانة: يلزمه وذلك قربة لمن فعله. اهـ.
ويَرْجِعُ الوَصِيُّ مُطْلَقاً بِمَا ** يُنْفِقُهُ وَمَا اليَمِينُ أُلزِمَا

(ويرجع الوصي) جملة استئنافية (مطلقاً) حال (بما أنفقه) يتعلق بيرجع (وما) نافية (اليمين) مفعول ثان ب (أُلزما) المبني للنائب ومفعوله الأول ضمير الوصي، والمعنى أن الوصي يرجع بالنفقة مطلقا اشهد أم لا. كان الوصي وصي أب أو قاض كان اليتيم في كفالته أم لا؟ بدليل قوله: وغير موص يثبت الكفالة. إذ مفهومه أن الوصي لا يثبتها وهو تابع في عدم اليمين وعدم إثبات الكفالة، أو الإنفاق لابن سلمون لأنه قال ما حاصله: وإن كان المنفق وصياً فله الرجوع دون يمين تلزمه، ولا إثبات للإنفاق أي ولا لكونهم في حضانته وكفالته، وإن كان غير وصي فلابد من إثبات حضانته وكفالته ويمينه بعد ذلك، ولا يحتاج إلى أن يشهد. اهـ. وهو خلاف المعتمد من أنه لابد من يمينه بعد أن يثبت الإنفاق عليهم أو كونهم في حجره إلا ما استحسنه. اللخمي: من أن الأم إذا كانت فقيرة محتاجة ويظهر على الولد أثر النعمة والخير أن الوصي يصدق، وإن لم يكونوا في حجره قال في المدونة: ويصدق في الإنفاق عليهم إن كانوا في حجره ولم يأت بسرف، وظاهرها في زكاة الفطر أنه لا يشترط كونهم في حجره، والمذهب اشتراطه كما مرّ، وما تقدم من وجوب يمينه هو المعتمد، واختلف إذا أراد أن يحسب أقل ما يمكن فإن كان الإنفاق من مال الوصي كما هو موضوع النظم فله ذلك، ولا إشكال وإنما يحلف أنه أنفق ليرجع وإن كان الإنفاق من مال الصبي واختلفا في قدره فالقول للوصي مع يمينه، فإن قال: احسب أقل ما يمكن واسقط الزائد فقال أبو عمران: لا يمين، وقال عياض: لابد منها، فلو قال الناظم إثر قوله: أو يسر الأب ما نصه:
وكونه عيناً وليس في يده ** أو عرضاً مطلقاً بقصد أوبته

ومع يمين يستحق ماله ** إن أثبت الإنفاق والكفالة

والواو في قوله: والكفالة بمعنى (أو) وبالجملة فلا فرق بين الوصي وغيره المشار له بقوله:
وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الكَفَالَهُ ** وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ

من أنه لابد من إثبات كونهم معه على مائدة واحدة أو إثبات الإنفاق عليهم ويحلف بعد ذلك أنه أنفق ليرجع فيشهد الشهود أنه كان يدفع النفقة إلى حاضنتهم فلانة كذا وكذا ديناراً وقمحاً وشعيراً وسمناً مثلاً في كل شهر مدة من كذا عاماً بمحضرهم ومعاينتهم أو بإقرار الحاضنة لديهم، أو يشهدون أنهم يعرفون الصبي فلاناً يتيماً في حضانة قريبه فلان مثلاً منذ كذا وكذا عاماً، وفي كفالته وعلى مائدته لا يعلمونه انتقل عن ذلك حتى الآن أو بطول المدة المذكورة، ولا يقولون ينفق عليه من ماله الخاص به كما يفعله عوام العدول عندنا اليوم، فإن قالوه بطلت شهادتهم لأنه محض زور إذ من أين لهم أنها من ماله الخاص به، ثم إذا ثبت أحد الرسمين يقول: بالله الذي لا إله إلا هو لقد أجريت النفقة والكسوة على الصبي المذكور طول المدة المذكورة من مالي الخاص بي لا رجع بذلك، وأحاسب الصبي المذكور وما قبضت منها شيئاً قليلاً ولا كثيراً، ولا وهبت ولا أسقطت ولا أحلت ولا استحلت ولا أخذت كفيلاً ولا حميلاً ولا رهناً ولا عوضاً ولا خرجت عن ذلك، ولا عن شيء منه بوجه حتى الآن، ثم تكتب له هذه اليمين في ظهر رسم الإنفاق على هذه الكيفية كما في ابن سلمون وسيأتي في الوصية:
وإن أب من ماله قد أنفقا ** على ابنه في حجره ترفقا

إلخ.
فالكلام هنا عام في الأب وغيره إلا في اليمين فلا يحلفها الأب وما يأتي خاص بالأب وورثته، وهذا إذا كانت عادة الآباء الرجوع بالنفقة على أولادهم، فقد سئل السيوري عن الرجوع بالنفقة على الابن؟ فأجاب: يسألون عن عادة بلدهم في النفقة على أولادهم، فإن كان شأنهم الرجوع فالحكم على ذلك، وإن كانت عادة أمثالهم غالباً عدم الرجوع فالحكم على ذلك، وإن كان يختلف وهو مساوٍ أو متقارب فيرجع بعد يمين من يرث الطالب أنهم لا يعلمون أنه أنفق لا ليرجع إن كانوا ممن يشبه أن يعلموا. اهـ. وهو واضح لأن العرف كالشاهد الواحد أو الشاهدين، فعلى أنه كالشاهدين لا يحلف إن كانت عادتهم الرجوع.